کد مطلب:370287 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:980

الفصل الخامس شقیق عاقر ناقة صالح
 













الصفحة 324












الصفحة 325


علی (علیه السلام) یعرف قاتله، وكیف یقتله:


عن عبیدة قال: إن علیاً (علیه السلام) كان إذا رأى ابن ملجم قال:









أرید حباءه ویرید قتلی عذیرك من خلیلك من مراد(1).

وعن أبی الطفیل قال: كنت عند علی بن أبی طالب، فأتاه عبد الرحمن بن ملجم، فأمر له بعطائه.


ثم قال: ما یحبس أشقاها أن یخضبها من أعلاها، یخضب هذه من هذه، وأومأ إلى لحیته، ثم قال علی:


 













أشدد حیازیمك للموت فإن الموت آتیكا
ولا تجزع من القتل إذا حل بوادیكا (2)



وعن زید بن وهب، قال: قدم على علی قوم من «الخوارج»، فیهم رجل یقال له: الجعد بن نعجة، فقال له: اتق الله یا علی، فإنك میت.


فقال علی (علیه السلام): بل مقتول، ضربة على هذه تخضب هذه ـ


____________



(1) منتخب كنز العمال، مطبوع بهامش مسند أحمد ج5 ص61 عن ابن سعد، وعبد الرزاق، ووكیع فی الغرر، وحیاة الصحابة ج3 ص75 عن المنتخب.


(2) منتخب كنز العمال ج5 ص59 عن ابن سعد، وأبی نعیم، وحیاة الصحابة ج3 ص75 عن المنتخب.













الصفحة 326


وأشار إلى رأسه ولحیته بیده ـ قضاء مقضی، وعهد معهود، وقد خاب من افترى.


ثم عاتب علیاً (علیه السلام) فی لباسه، فقال: لو لبست لباساً خیراً من هذه؟!


فقال: مالك وللباسی؟! إن لباسی [هذا] أبعد [لی] من الكبر، وأجدر أن یقتدی بی المسلمون(1).


ویذكر المعتزلی: أن علیاً (علیه السلام) التقى الزبیر فی حرب الجمل، فذكّره قول رسول الله (صلى الله علیه وآله) فرجع الزبیر إلى أصحابه نادماً واجماً، ورجع علی (علیه السلام) إلى أصحابه جذلاً مسروراً، فقال له أصحابه: یا أمیر المؤمنین، تبرز إلى الزبیر حاسراً، وهو شاكٍ فی السلاح، وأنت تعرف شجاعته؟!


قال: إنه لیس بقاتلی، إنما یقتلنی رجل خامل الذكر، ضئیل النسب، غیلة فی غیر مأقط حرب، ولا معركة رجال. ویلُمه [ویل أمة] أشقى البشر! لیودّن أن أمه هبلت به. أما إنه وأحمر ثمود لمقرونان فی قرن(2).


ویتعذر علینا إحصاء النصوص والمصادر التی تحدثت عن إخبار أمیر المؤمنین (علیه السلام) بأن قاتله هو ابن ملجم، وأن ذلك یكون بضربة على رأسه یخضب منها لحیته..


____________



(1) كنز العمال ج11 ص284 ورمز لذلك بـ [ط.وابن أبی عاصم فی السنة.عم.حم فی الزهد. والبغوی فی الجعدیات.ك.ق فی الدلائل. ض] ومنتخب العمال ج5 ص435 وترجمة الإمام علی (علیه السلام) من تاریخ دمشق [بتحقیق المحمودی] ص 278، وفی هامشه عن كتاب الفضائل رقم 32 والزهد والرقائق ص 361 و132 ومسند الطیالسی رقم 157 ج1/23 ومستدرك الحاكم ج3 ص143 ـ ومسند أحمد ج1 ص91 وكفایة الطالب ص460 ـ وتذكرة الخواص ص173.


(2) شرح النهج للمعتزلی ج1 ص235.













الصفحة 327


وربما یكون ذلك منه (علیه السلام) یهدف إلى تحصین الناس من دعوات «الخوارج» وغیرهم، والربط على قلوب المؤمنین، من خلال تلمسهم صدق إخباراته الغیبیة، الأمر الذی یرسخ اعتقادهم بالإمامة، على أساس أن الغیب هو أحد أركان هذا المقام العظیم.


وعلى هذا یحمل ما جاء عن رسول الله (صلى الله علیه وآله): أنه بكى فی آخر جمعة من شعبان، فسأله علی (علیه السلام) عن سبب هذا البكاء، فقال له: أبكی لما یستحل منك فی هذا الشهر. فقال له علی (علیه السلام): أفی سلامة من دینی.. قال (صلى الله علیه وآله): نعم..


فإن سؤال أمیر المؤمنین لرسول الله (صلى الله علیه وآله): أفی سلامة من دینی، لا یعنی أنه (علیه السلام) كان غیر مطمئن لمصیره، لأن الإنسان قد یموت كافراً أو فاسقاً كما زعمه البعض(1).


بل هو (علیه السلام) یرید أن یعرفنا على لسان رسول الله (صلى الله علیه وآله) بأن قاتله هو الضال، المارق من الدین كما مرق السهم من الرمیة. أما علی (علیه السلام)، فإنه على بیّنة من ربه، ولو كشف له الغطاء ما ازداد یقیناً..


فسؤاله (علیه السلام) لأجل أن یسمعنا على لسان الرسول (صلى الله علیه وآله) ما یجعلنا فی حصانة ومأمن من الشبهة، لكی لا نغتر بما یظهره «الخوارج» من نسك وعبادة، فنشك فی إمامنا ونهلك بسبب ذلك.


____________



(1) إن هذا البعض قد قال ذلك عبر إذاعة تابعة له تبث من بیروت وذلك لیلة 19 شهر رمضان المبارك سنة 1422 هـ.ق.













الصفحة 328


«الخوارج» یقتلون أوصیاء الأنبیاء:


ثم إن قاتل علی أمیر المؤمنین (علیه السلام) هو عبد الرحمن بن ملجم، وهذا مما أجمعت علیه الأمة، فلا حاجة إلى ذكر النصوص والمصادر لذلك غیر أننا نكتفی هنا بما قاله ابن اعثم الكوفی، الذی ذكر أن علیاً (علیه السلام) استشهد بعد وقعة النهروان بستة أیام.(1) وقد كان له (علیه السلام) معهم فی النهروان عدة وقائع.


یقول ابن أعثم؛ بعد ذكره لأحداث النهروان: «وأقبل علی نحو الكوفة، وسبقه عبد الرحمن بن ملجم ـ لعنه الله ـ حتى دخل الكوفة؛ فجعل یبشر أهلها بهلاك الشراة(2).


قال: ومر بدار من دور الكوفة، فسمع فیها صوت زمر، وصوت طبل یضرب؛ فأنكر ذلك، فقیل له: هذه دار فیها ولیمة، قال: فنهى عن صوت الزمر، والطبل قال: وخرجت النساء..»(3).


ثم یذكر قصة رؤیة ابن ملجم قطاماً آنئذ، وأنه عرض علیها الزواج، فقبلت بشرط أن یكون مهرها ثلاثة آلاف درهم، وعبداً، وقینة، وقتل علی (علیه السلام)، ثم تنازلت له عما سوى قتل علی (علیه السلام)، لأنه كان قد قتل أباها، ثم رضیت منه بضربةٍ، على أن یكون سیفه رهینة عندها، فدفع إلیها سیفه، وانصرف إلى منزله.


«.. وقدم علی كرم الله وجهه من سفره، واستقبله الناس، یهنئونه بظفره بـ«الخوارج»، ودخل إلى المسجد الأعظم، فصلى فیه ركعتین، ثم


____________



(1) وهو كلام غیر صحیح.


(2) الفتوح ج4 ص136 و137.


(3) الفتوح ج4 ص133 و134 وراجع كشف الغمة ج2 ص62 والبحار ج32 ص263.













الصفحة 329


صعد المنبر، فخطب خطبة حسنة.


ثم التفت إلى ابنه الحسین، فقال: یا أبا عبد الله، كم بقی من شهرنا هذا، یعنی شهر رمضان الذی هم فیه.


فقال الحسین: سبع عشرة یا أمیر المؤمنین.


قال: فضرب بیده إلى لحیته، وهی یومئذٍ بیضاء، وقال: والله لیخضبنّها بالدم، إذا انبعث أشقاها.


قال: ثم جعل یقول:


 









أرید حیاته ویرید قتلی خلیلی من عذیری من مراد



فسمع ابن ملجم لعنه الله؛ فكأنه وقع بقلبه شیء من ذلك؛ فجاء حتى وقف بین یدی علی (رض) فقال:


أعیذك بالله یا أمیر المؤمنین، فهذه یمینی وشمالی بین یدیك، فاقطعهما، أو اقتلنی.


فقال علی كرم الله وجهه: وكیف أقتلك، ولا ذنب لك عندی، إنی لم أردك بذلك المثل. ولكن خبرنی النبی (صلى الله علیه وآله): أن قاتلی رجل من مراد، ولو أعلم أنك قاتلی لقتلتك، ولكن هل كان لك لقب فی صغرك؟


فقال: لا أعرف ذلك یا أمیر المؤمنین.


قال علی: فهل لك حاضنة یهودیة، فقالت لك یوماً من الأیام: یا شقیق عاقر ناقة صالح؟!


قال: قد كان ذلك یا أمیر المؤمنین.


قال: فسكت علی، وركب، وصار إلى منزله»(1).


____________



(1) الفتوح ج4 ص136 و137 وكشف الغمة ج1 ص276.













الصفحة 330


ثم یذكر ابن أعثم: «أن ضربة ابن ملجم لعلی (علیه السلام) قد كانت فی یوم ثالث وعشرین»(1).


وكان ابن ملجم قد بات فی منزل قطام، وكان قد تناول نبیذاً تلك اللیلة(2).


وقال: إنها سقته الخمر العكبری، وأن رفیق ابن ملجم نام، لكن ابن ملجم تمتع معها(3).


وبعد أن تذكر الروایة: تفصیلات ضربة ابن ملجم لعنه الله لأمیر المؤمنین (علیه السلام).


تقول: «ثم احتمل علی إلى صحن المسجد، وأحدق الناس به، فقالوا: من فعل هذا بك یا أمیر المؤمنین؟


فقال: لا تعجلوا؛ فإن الذی فعل بی هذا سیدخل علیكم الساعة من هذا الباب.. وأومأ بیده إلى بعض الأبواب.


قال: فخرج رجل من عبد القیس فی ذلك الباب؛ فإذا هو بابن ملجم، وقد سدت علیه المذاهب، فلیس یدری إلى أین یهرب، فضرب العبدی بیده إلیه، ثم قال: ویحك، لعلك ضارب أمیر المؤمنین؟


فأراد أن یقول: لا، فقال: نعم.


فكبه، وأدخله المسجد، فجعل الناس یلطمونه من كل ناحیة، حتى أقعدوه بین یدی علی.


فقال له: أخا مراد؟ بئس الأمیر كنت لك؟


____________



(1) الفتوح ج4 ص137.


(2) الفتوح ج4 ص139.


(3) البحار ج4 ص239 المناقب لابن شهر اشوب ج3 ص311 ـ المطبعة العلمیة ـ قم.













الصفحة 331


قال: لا، یا أمیر المؤمنین»(1).


وفی روایة: أنه قال له: «ولقد كنت أعلم أنك قاتلی، وإنما أحسنت إلیك لاستظهر بالله علیك»(2).


وتذكر النصوص: أن قطاماً دعت بحریر فعصبت به صدر ابن ملجم ورفیقه، حینما تحركوا لتنفیذ جریمتهم بقتل سید الوصیین (علیه السلام)(3).


وذكرت بعض النصوص أیضاً: أن ابن ملجم تزوج قطاماً، وبنى بها ثم طالبته بالوفاء بشرطها(4).


فزت وربِّ الكعبة:


وتقول الروایات: أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) حین أحسّ بضربة ابن ملجم له قال: «فزت ورب الكعبة»(5).


وقد تحدثنا عن هذه الكلمة وما بمعناها فی كتابنا: الصحیح من سیرة النبی (صلى الله علیه وآله)(6) وغیره. ولا نرید أن نعید هنا ما كتبناه هناك. بل نكتفی بإحالة القارئ علیه. ونؤكد علیه بالرجوع إلیه.


____________



(1) الفتوح ج4 ص140 و141.


(2) تذكرة الخواص ص177.


(3) روضة الواعظین ص133 وراجع ص134 والمناقب للخوارزمی ص276 ونظم درر السمطین ص144 وشرح النهج للمعتزلی ج6 ص116و118 ومقاتل الطالبیین ص33 ومناقب آل أبی طالب ج3 ص313 ـ المطبعة العلمیة.


(4) الثقات ج2 ص302 والبدایة والنهایة ج7 ص329 و327 وتذكرة الخواص ص176 وأنساب الأشراف ج2 ص487 ـ 492.


(5) شرح نهج البلاغة للمعتزلی ج9 ص207 وترجمة الإمام علی (علیه السلام) من تاریخ دمشق ج3 ص303. [تحقیق المحمودی] ومقتل أمیر المؤمنین (علیه السلام) لابن أبی الدنیا [مطبوع فی مجلة تراثنا سنة 3 عدد 3 ص96].


(6) الصحیح من سیرة النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) ج7 ص352 و361.













الصفحة 332


علی (علیه السلام) یخبر عن الغیب:


وقد مرت الاشارة عن قریب إلى أن امیر المؤمنین (علیه السلام) قد أخبرهم أن قاتله سیخرج علیهم من الباب الفلانی. وقد تحقق ما أخبره (علیه السلام) مباشرة. ویدخل ذلك فی سیاق سعیه (صلوات الله علیه) لتحصین الأمة من الوقوع فی الشبهة فلا تغرهم ما یظهر «الخوارج» المارقون من عبادة وزهادة ونسك وخشوع وذلك عن طریق الإثبات الواضح بالإخبارات الغیبیة القاهرة للعقل والملامسة للوجدان أنه (علیه السلام) یملك علم الإمامة الذی یفرض علیهم البخوع والانقیاد له من دون أی شبهة أو ریب.


تاریخ الضربة:


وإن ما ذكره: ابن أعثم أن ضربة ابن ملجم لعلی (علیه السلام) كانت فی الثالث والعشرین من شهر رمضان بخلاف ما هو معروف ومشهور من أن ذلك كان فی التاسع عشر من شهر رمضان، ثم استشهد فی الحادی والعشرین منه.


ولو أعلم إنك قاتلی:


وذكر ابن أعثم أیضاً: بأنه (علیه السلام) قال لابن ملجم: لو أعلم انك قاتلی لقتلك.. ولا یمكن قبول ذلك منه فإنه (علیه السلام) ما فتئ یخبر الناس تصریحاً وتلویحاً بأن ابن ملجم هو قاتله، حتى إن بعض النصوص: أنهم قالوا له: لما لا تقتله، فقال: لم یقتلنی بعد.












الصفحة 333


وإن ادنى مراجعة لكتب الحدیث والتاریخ كفیلة بإظهار هذه الحقیقة.


ابن ملجم یشرب الخمر، ویلبس الحریر:


ولسنا بحاجة إلى التأكید على حقیقة أن «الخوارج» كان یتظاهرون بالتدین، دون أن یكون لهم دین فی الواقع.. بل كانوا یرتكبون أعظم المآثم، حتى شرب الخمر والزنى إلى درجة الدعارة الظاهرة. ولیس ابن ملجم فی شربه للخمر ولبسه للحریر المحرم للرجال إلا المثال الذی تكثر نظائره فیهم. أخزاهم الله.


أصابع الیهود فی قتل الوصی (علیه السلام):


وعلى كل حال، فقد كانت مربیة ابن ملجم یهودیة(1) بل كما ذكره المجلسی، وابن أعثم وغیرهما، لقد روی عن جوین الحضرمی، قال: عرض [على] علی الخیل، فمر علیه ابن ملجم، فسأله عن اسمه، أو قال: [عن] نسبه ـ فانتهى إلى غیر أبیه.


فقال له: كذبت.


حتى انتسب إلى أبیه، فقال: صدقت. أما إن رسول الله (صلى الله علیه وآله) حدثنی: أن قاتلی شبه الیهود!!! هو یهودی، فامضه(2).


____________



(1) البحار ج32 ص262.


(2) ترجمة الإمام علی بن أبی طالب من تاریخ دمشق ج3 ص293 بتحقیق المحمودی وكنز العمال ج15 ص174 وحیاة الصحابة ج3 ص75 ومنتخب كنز العمال [بهامش مسند أحمد] ج5 ص62.













الصفحة 334


وتذكر نصوص أخرى ممالأة الأشعث بن قیس لابن ملجم، وتآمره معه على قتله (علیه السلام)(1).


«الخوارج» ینكرون قتل علی (علیه السلام):


ویذكر البعض: أن بعض مؤرخی «الخوارج» فی هذا العصر ینكرون قتل «الخوارج» لعلی (علیه السلام) ویقولون: إن قبیلة بنی مراد التی كان عبد الرحمن بن ملجم منها لم یكونوا فی جملة «الخوارج».


وقد كذّب مؤرخ الإباضیة [وهم من الخوارج] الشیخ سلیمان بن داود بن یوسف اشتراك «الخوارج» فی قتل علی، استناداً إلى ما ذكرناه آنفاً، ویرى أن الأشعث بن قیس هو قاتل علی (علیه السلام)، وقد یكون معاویة قد أشار إلیه بذلك.


ثم هو ینكر تآمر «الخوارج» الثلاثة على قتل علی ومعاویة وعمرو بن العاص، بل هو ینكر حتى أصل وجود هؤلاء الأشخاص الثلاثة(2) فراجع كلامه.


كما ترى كلام غیر منطقی وغیر مقبول، بعد إطباق الأمة الإسلامیة. وأصبح ذلك من المتواترات القطعیة: أن ابن ملجم الخارجی هو قاتل علی (علیه السلام) سواء صدقت روایة تآمر الثلاثة على قتل معاویة وابن العاص، وأمیر المؤمنین (علیه السلام)، أم كذبت.. ولا ضرورة لإشغال أنفسنا فی الرد على ترهات وأباطیل، تفقد أدنى فرصة للاحتمال المعقول، وحتى غیر المعقول.


____________



(1) راجع: أنساب الأشراف ج2 ص493 و494.


(2) تحلیلی أز تاریخ إسلام ـ القسم الأول ص133و134، ولم یظهر من المؤلف مخالفة لهم فی هذا الرأی..













الصفحة 335


عقوبة قاتل علی (علیه السلام):


وقد جاء فی بعض الروایات: لما ضرب علی (علیه السلام) قال: «ما فعل ضاربی؟ أطعموه من طعامی، واسقوه من شرابی، فإن عشت، فأنا أولى بحقی، وإن مت فاضربوه ولا تزیدوه»(1).


وقال البلاذری: «یقال: إن الحسن ضرب عنقه، وقال: لا أمثل به»(2).


روایة أخرى قالت: «إنه لما ضرب ابن ملجم علیاً (رضی الله عنه) الضربة، قال علی: افعلوا به كما أراد رسول الله (صلى الله علیه وآله) أن یفعل برجل أراد قتله، فقال اقتلوه، ثم حرقوه» وهذه هی روایة أحمد.


وحسب نص ابن شهر آشوب: «إن هلكت فاصنعوا به كما یصنع بقاتل النبی، فسئل عن معناه، فقال: اقتلوه ثم احرقوه بالنار»(3).


وفی نص آخر، قال علی (علیه السلام): «احبسوه، وأطیبوا طعامه، وألینوا فراشه، فإن أعش فعفو، أو قصاص. وإن أمت فألحقوه بی أخاصمه عند رب العالمین».


لكنه عاد فأضاف قوله: «فمات علی بن أبی طالب غداة یوم الجمعة، فأخذ عبد الله بن جعفر، والحسن بن علی [ومحمد بن الحنفیة(4) عبد الرحمن بن ملجم،


____________



(1) المناقب للخوارزمی ص280 و281.


(2) أنساب الأشراف ج2 ص505.


(3) مسند أحمد ج1 ص93.


(4) فی هامش المصدر: زید بناء على الطبقات 3/1/26.













الصفحة 336


فقطعوا یدیه ورجلیه، فلم یجزع، ولم یتكلم، ثم كحلوا عینیه بملمول محمى، ثم قطعوا لسانه، وأحرقوه بالنار»(1).


ونقول: الصحیح هو أن الناس هم الذین فعلوا فیه ذلك، فعن عمران بن میثم: «لقد رأیت الناس حین انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن ملجم لعنه الله، ینهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع، وهم یقولون: یا عدو الله، ماذا فعلت؟! إلخ»(2).


ونص آخر یقول: «إن الحسن (علیه السلام)، قدمّه فقتله، فأخذه الناس فأدرجوه فی بواری ثم أحرقوه بالنار»(3).


وذكر ابن شهر آشوب، أنه (علیه السلام) قال لهم: «ألا لا یقتلن بی إلا قاتلی ونهى عن المثلة»(4).


وذكر نص آخر: «أن أم الهیثم بنت الأسود النخعیة استوهبت جیفته من الإمام الحسن (علیه السلام)، فوهبها لها، فأحرقتها بالنار»(5).


والخلاصة: أننا لا نشك فی أن الإمام الحسن (علیه السلام) لا یخالف وصیة أبیه من جهة.


ولا یرتكب مخالفة لحكم شرعی وهو تحریم المثلة، ولو بالكلب العقور من جهة أخرى.


____________



(1) الثقات ج2 ص303 والأخبار الطوال ص215 وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص25و26 وراجع أنساب الأشراف ج2 ص495 و502 و504.


(2) مقاتل الطالبین ص37.


(3) المناقب للخوارزمی ص280.


(4) مناقب آل أبی طالب ج3 ص312 ـ المطبعة العلمیة ـ قم.


(5) مناقب آل أبی طالب ج3 ص313 المطبعة العلمیة ومقاتل الطالبیین ص41.













الصفحة 337


فإن كان ابن ملجم قد تعرض لشیء من ذلك، فلابد أن لا یكون ذلك عن رضى من قبل الحسنین (علیهما السلام)، بل قد یكون فاعل ذلك هو الناس الذین أخذتهم حالة الهیاج والحماس كما هو صریح كلام أبی الفرج.


أو أم الهیثم، كما ذكره أبو الفرج، وابن شهر آشوب.


ابن ملجم صحابی مصیب فی قتل علی (علیه السلام):


وقال الحارثی الإباضی: «عدّ ابن حجر عبد الرحمن هذا من الصحابة. وذكر عن الإمام الشافعی: أنه لا یرى ابن ملجم مخطئاً فی قتله، لأنه مجتهد. وكل مجتهد مصیب»(1). حتى على رأی علی نفسه كما زعم(2).


وقال ابن حزم: «إن الشافعیین والمالكیین لا یختلفون فی أن من قتل آخر على تأویل، فلا قود فی ذلك، ولا خلاف بین أحد من الأمة فی أن عبد الرحمن بن ملجم لم یقتل علیاً (رضی الله عنه) إلا متأولاً مجتهداً، مقدراً على أنه صواب»(3).


إذن.. فابن ملجم عند هؤلاء مصیب فی قتله علیاً، وهو مأجور أیضاً أجرین على ذلك، لأنه مجتهد، وإذا أصاب المجتهد ـ عند هؤلاء أیضاً ـ فله أجران..


فكیف إذا كان ابن ملجم صحابیاً، والصحابة عند هؤلاء كلهم عدول أتقیاء، ولا یفسقون بما یفسق به غیرهم؟


كما أوضحناه فی الجزء الأول من كتابنا الصحیح من سیرة النبی ـ ط ثانیة..


____________



(1) العقود الفضیة ص43و64.


(2) العقود الفضیة ـ ص43 و64.


(3) المحلى ج10 ص482 والغدیر ج1 ص325 عنه.













الصفحة 338


قال الأمینی: «.. لكن ابن حزم لا یرضى أن یكون قاتل عمر، أو قتلة عثمان مجتهدین. ونحن أیضاً لا نقول به».


ثم ذكر (رحمه الله): «أن ما نسبه ابن حزم إلى الأمة لا یصح إلا ما عن الخوارج المارقین عن الدین»(1).


وذكر (رحمه الله) أیضاً: موافقة الناس على قتل ابن ملجم عقوبة له. وأن كلاً منهم یودّ أن یكون هو المباشر لقتله.


ثم أضاف قوله: إن فعل ابن ملجم لم یكن مما یتطرق إلیه الاجتهاد، فضلاً عن أن یبرره الاجتهاد، ولو كان هناك اجتهاد، فهو فی مقابل النصوص المتضافرة(2).


وأما حدیث: أن كل مجتهد مصیب، ونسبة ذلك إلى علی (علیه السلام). فلا شك فی أنه غیر صحیح ولا یشك ذو مسكة أن علیاً لا یقول فی التصویب فی الاجتهاد، ولهذا البحث مجال آخر.


قاتل علی (علیه السلام) هو معاویة:


هذا.. وقد روی ما یشیر إلى أن معاویة كان بتآمره وكیده وراء قتل أمیر المؤمنین (علیه السلام) على ید ابن ملجم، وتدل على ذلك أبیات لأبی الأسود الدؤلی، فهو یقول:


____________



(1) الغدیر ج1 ص326.


(2) الغدیر ج1 ص328.













الصفحة 339


 

















ألا بلّغ معاویة بن حرب فلا قرّت عیون الشامتینا
أفی شهر الصیام فجعتمونا بخیر الناس طراً أجمعینا
قتلتم خیر من ركب المطایا ببرّ خیر من ركب السفینا



إلى أن یقول:


 









إذا استقبلت وجه أبی تراب رأیت البدر حار الناظرینا(1)



ولاتستبعد ذلك على معاویة الذی كان من أصول الشجرة الملعونة فی القرآن...


والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذین اصطفى محمد وآله الطاهرین.


____________



(1) قضایا فی التاریخ الإسلامی ص85 وفی هامشه تاریخ الدولة العربیة ص98/99 عن الطبری، وتذكرة الخواص ص181، ومناقب آل أبی طالب ج3 ص315 ـ المطبعة العلمیة ـ قم ـ إیران..













الصفحة 340












الصفحة 341